سُلالةُ النُخَبِ وسُلطانُ الطباشير

تكبَّرتِ التخصصاتُ واحتدمتِ،

كأنَّ الكِبرَ في أعماقِها نغمُ

تسيرُ على جبينِ الكونِ نرجسةً،

وفي أعقابِها التعجرفُ التهمُ

تناهتْ نحو ساح الفكرِ نخبةُ مَن

تصدَّروا العِلمَ في تيهٍ وما التزموا

تخاصمتْ بين أسوارِ العُلا فِكَرٌ،

وفي مناكبِها التبجيلُ يُقتسمُ ..

فاستلتِ الهندسةُ المرسومَ خارطةً،

وقالت: "الخلقُ منّي حينَ يلتئمُ

أنا البقاءُ، على الأركانِ مرتكزٌ،

وبي تُصاغُ على الإسمنتِ مُلْتَحِمُ

"أنا التي يبني على قَسَمي الأممُ !

جسورُ مجدي على الأكوانِ ممدودةٌ،

وفي زوايايَ يُستَخرَجُ الحُكمُ"

أنا التي حجبتْ للشمسِ نافذتي،

وحاكتِ الطينَ طودًا ليس ينهدِمُ !

فيا طبُّ لا تُفاخرْني بمعجزِكَ،

فما الدواءُ إذا البيتُ مُنعَدِمُ !"

فقال الطبُّ مزهوّاً بسُترتهِ

وقد تجلّى على عينيهِ مُبتسمُ:

"أنا الشفاءُ، وبي يزهو بكَ الألمُ !

إذا تداعتْ قلاعُ الجسمِ أضمدُها،

وفي يديّ من الترياقِ ما حَلُموا"

أنا الحياةُ، ومِن نبضي مفاتِحُها،

ولستُ في كفِّها ظلًّا لمن غُنِموا !

أما بناءُكِ، فلولا جسدٌ ما سَلِمَت،

أركانهُ، وما علا طوبٌ ولا عَظُموا !"

فصاحتِ العِلمُ من مختبرٍ شغفٍ،

وفي عروقِ تجاريبٍ لها نَسَمُ:

"كُفّوا اللغوَ، فأنا العِلْمُ الذي اتّسعتْ،

به السمواتُ، وارتادتْ به القِممُ !

أنا التي شقّتِ الألغازَ وانسكبتْ،

في جينِكم، وأنا للأصلِ مُنْتظِمُ !

كلُّ الذي زعمتْهُ سائرُ الأممِ،

أنا التي حفرتُ الأسرارَ لِتَنتظِمُ !"

ثم جاء الفنُّ في أثوابِه عَطِرًا

يخطو كأنّهُ طيفٌ بهِ نغمُ:

"أنا الجمالُ، أنا الإلهامُ في ولهٍ،

أنا الجراحُ إذا غنّتْ بها الكَلِمُ !

أنا الذي أنطقَ التمثالَ مُدهشَةً،

ومن سكوتِ الحصى شادتْ لي الأممُ !

فمَن بغيري يرى الدنيا سوى رمقٍ؟

أنا الحياةُ، وغيري القالبُ العَدَمُ !"

وتقدّمتِ اللغةُ الفصحى مزمجرةً،

وفي يديها قوافٍ تُخجلُ القلمُ:

"كلكم دونَ لفظي ظلُّ ذاكرةٍ،

وبي يَشعّ على الأكوانِ مبتدَمُ !

أنا البليغةُ، تاجُ النطقِ شاهدةٌ،

بي يُرفعُ الخُطْبُ، أو يُكتمُ النغمُ !

لولا حروفي، فهل كنتم لتعرفُكم،

شعوبُكم؟ أم لكم معنى إذا رُسموا؟"

فاحتدمَ اللغطُ، واستشرى الجدالُ، وما

بقيَ التواضعُ فيهم، كلُّهم نَخِمُوا

فإذا بأدواتِ الفخرِ تنفجرُ،

تُزاحمُ النّطقَ، لا تُخفى ولا تُكتمُ

فقال القلمُ في حبرٍ وفي ولهٍ،

"أنا الرفيقُ الذي ما خانَ أو نَدِمُوا!

أنا الذي في يدي المعلّمِ اشتعلتْ،

شرارةُ الفكرِ، فانسابَتْ بهِ الحِكمُ !

بي خُطَّ حُكمُ الورى، والعِلمُ مُذ وُجِدَتْ،

ولو غفلتُ، لضاعتْ كلُّها القِيَمُ !"

ونادى المجهرُ في همسِ الذرّ منبهرًا،

"أنا العيونُ، إذا ضاقَ الورى الحُلمُ !

أنا الذي كشفَ الأنسابَ في دمِهم،

ومن بصيرتِهم كنتُ الذي عَلموا

ولستُ إلّا خديمَ العلمِ إن سألوا،

لكنني فوقَ شكٍّ، في الدُجى عَلَمُ !"

وقالتِ السمفونياتُ التي عزفتْ،

"أنا الغناءُ، وموسيقى الهوى نَغَمُ

أنا الأناقةُ في آهاتِ من فقدوا،

أنا القصيدةُ إن ضاعتْ بها الكَلِمُ !

أنا التي حينَ تبكي اللوحةُ انتحبتْ،

وتبتسمْ إنْ علا فينا المدى الحُلُمُ !"

وهتفَ المشرطُ، يشقُّ الصمتَ في غضبٍ،

"أنا الحقيقةُ، لا ظنٌّ ولا وهمُ !

أنا الذي في يدي الطبُّ استبانَ لهُ،

ما استغلقَ الفكرُ فيهِ، أو بهِ التهَموا

شَققتُ صدرَ الغيوبِ اليومَ مُجتهدًا،

وفي وريدي تسيلُ الداءُ والنِّعَمُ !"

فزادَ في الساحةِ الغرورُ وانتفختْ،

أنفاسُ نخوةِ مَن في القولِ قد حَسموا

وصار كلٌّ يرى نفسَهُ منزلةً،

كأنّما الأرضُ ما خُلِقَتْ سوى لهمُ…

حتى… دنا ظلُّ ذاك الطيفِ يقتربُ،

يحملُ طباشيرَهُ، والضوءُ يلتثمُ…

توفي الزوايا، قميصٌ فوقهُ شَعثٌ،

وصوتُ طباشيرِه المسكينِ ينحسمُ…

دخلَ المعلّمُ، لا تاجٌ، ولا كُتبٌ،

لكنْ بهِ خاشعٌ للحقِّ من فهموا

وقال والدهرُ مُنصتٌ لكلمتهِ،

كأنّ في نطقهِ للروحِ ملتزِمُ:

"كفى انتفاشَ غُبارِ المجدِ يا شُهُبًا،

كفى انبهارًا بظلٍّ لا لهُ قَدمُ !

أنتم عبيدُ يدي، أنتم سطورُ دمي،

أنتم صنائعي، أنتم لمن خدموا !

أنا الذي من لازمَ الأقلامَ مرتجفًا،

أغرسْ بها عقلَ طفلٍ، بعد ما ظُلِموا

أنا الذي علّمَ الهندوسَ هندستَه،

وفتّحَ الطبَّ في الأجفانِ والكرمُ

أنا الذي شرّحَ الفِكرَ المُدلّهَ في،

جُثثِ المعاني، وأحييتُ الذي رُجموا

أنا الذي سطّرَ الأوزانَ أولَها،

وفي ضميرِ القوافي خَطّ ما حُرموا

فلا تفاخرْ، ولا ترفعْ بكم رؤًى،

فأنتمُ مِن ضياءِ الطباشيرِ قد نَمُوا !"

فبُهِتَ الجمعُ، وانحلّوا كأقنعةٍ،

وسادَ صمتٌ كأنّ الأرضَ تُلْتَهمُ

وسارَ، وحدهُ، في دربِه مترفًا،

وكلُّ من خلفهُ… بالدهشةِ انحجموا !

#AOK

#Wr_Suzaku

#suzaku_ko

#suzaku_ko2