لِمُنْتَشِيٍّ بِشُطْآنِ العِطْرْ

fOUR.𝅮𝀍 10/31/24

229

━━━━ ━━━━ ━━━━ ━━━━

رسالة أدبية

𓂆

كُتِبَ هذا العَمَل في :

الأول / تشرين الأول، أكتوبر

1446هـ/ 2024م

╰╮

#الرابطة_القلمية

#ENTJ

#Revolution_inK!

الإِهْدَاءْ :

للراسبينَ في المدرسة، للناجحينَ في كتابة الحياة.

31 تشرين الأول /أكتوبر 1446هـ. 2024م

عزيزي الذي طالَ بيننا الخريفُ والشتاءَ لهذا العام، صاحبِ الكرسيّ المُزركشِ بالخَيْزُرانْ.. وشجرِ البلّوطِ العتيق، المُتكىءِ فوقَ سريرِ الأرضْ، منْ أقحوانٍ وعُشبِ الماءِ المُبتَلْ، مُداعِبًا قُطنَ الفَضاءِ المَارْ، المُنعَكفِ على بيعِ الرائحة عندَ عتباتِ الديَار، والمُعتَكِفِ على ذكرى شُطآنِ العطر، وزَبَدِ العاطفة، وهروبِ موجِ العِناقِ.. إلى رقبةِ السماء الفردوسيّة، إلى مداخنِ الأسطحِ الأندَلُسيّةْ، ومساطِبِ الراقصِينَ على أطرافِ أَقْدَامِهِمْ بهَيْئَةِ المُلُوكْ، أَنْتَ فِيْ مَسائِيْ اللَيلَكيّ المُحْمَرْ، تَتَمَلمَلُ فِيْ أنْفِيَ الصَغِيْرْ.. مُنتَشِيًا بِكْ.

أما بعد..

لأجلِك اللَّيلَة ارتديتُ معطفِيْ بِرائحةِ الحنينْ، شعرتُ باتساعهِ الملحوظ لأننيْ فوّتُ وجبة العشاء، تناولتُ عُكازي وقُبّعتيْ المكسوّةِ بالعِناقْ، فتحتُ بابَ الشتاء مواربًا إلى الشارع، شارع الذكريات الطويل.. حيثُك ، حيثُ يصنعُ عزيزي الخيميائيُّ أعصابَ الذاكرة، ويبيعُها بالمجَانْ.

تركتُ السَجّادَ الغنيُّ بدفءِ قدمي، والكَستناءُ على الجَمرِ نِصفَ شواء، وإبريقُ الشايُ بالبابونجِ ساخِنْ، تتراقُصُ الشمعةُ في احتراقها لانتهاءِ الصمغْ، كلها في عُهدَةُ جدتيْ التي تدهنُ زيتَ الزيتون ِ على يديها وقدميهَا، على أن أعودَ بعدَ اختمارِ البيتْ، برائحتهمْ سويًا، بِعطرهم الأُسَريُّ الفَرِيْدْ.. آهٍ يا عزيزي، لو أنك تعلم ماهية كينونتك في تكوينِ ذاكرتي، وفي انتشائي بتفاصيلٍ الحياة الرنانة.. أنتَ واهِبُني الثمين، فهل لكَ أن تغرِزَ رقصاتِكَ اللطيفةِ في حقولي؟

سأبلِغُكَ مَسيْرَتيْ عنكَ في أيلول..مَشيتُ حينها قاصِدًا نثراتٍ زكيةٍ في عبوري، فمثلاً جاري الذي يستدفىء كفّيهِ في لسعاتِ النّار وبجانبهِ شجَرةَ الليمونِ تُغطي السَقف، سلّمتُ باسمًا عليه وفي فمي هروبَ الدُخَان الساخِن، حَيّانيْ وقفزَت إلى أنفيْ رائِحةُ تلكَ اللوحةِ المُكدّسَةِ بالطِيبةِ والدفء، وفي مَشيتي حمَلَنيْ يراعُ البساتينَ طردًا إلى أحضانِها وفي سَمائِها البدر وَ وُرودِها يعاسيبِ الليل ونقنقةِ الضفادِعَ في المُستَنقَع، تساءلتُ عن تخلُلِكَ يا عزيزي إياهاع، وفي مراسِمِها الوِدِ منك ، إن رائِحةَ الطينِ وتخمُّرُ النبات يغفو زكيًا في الأرجاء حاكيًا عنك، إلا أنّ مُلاطفةَ البدرِ لصفاءِ الأفق، حاكَ في أنفي طبقًا لذيذًا من معادلة الشَم! لعلّكَ وازَنتَ يا عزيزي هذه المعادلةَ في عقلي، مُتخذًا كُلَ الحواس في جَيبِكْ، تَلتَهِمُنيْ.

إن المَسيرَ في سبيلكَ يا عزيزي العِطْرْ، أشبهَ بالحُلُمْ، ككوخٍ يحضنهُ التل، يصنعُ العشاءَ ليلاً ثُمّ تتطايرُ منهُ روائحُ المِذخَنةِ الضاربةِ لحجارةِ الطوب، فتغدو في ناظريْ خُبزًا قُطنيًا برائحةِ الزُبدِ المُقلّى بإكليلِ الجَبَلِ المزروعِ بجانبه، ومع ذلكَ مازلتُ مار، على أطراف أصابعي تتراقصُ بي الروائح، مُتذوقًا بأنفي، مُتناغمًا بذاك الشذا، ومُتزكيّا بعطور الهندسة الإلهية..

ولكن دعني أخبرك، على سبيل الودادِ يا عزيزي، أنني وصلتُ إلى شاطىءِ البحر، جلستُ بمعطفي الذي لملَمَ رائحة الفحمِ في ساعديه، وكانَ الرملُ رطِبًَا يحملُ فيه رائِحةَ الطحالبِ الخضراء وقليلاً من المحار، فأما الشطآنَ التي تهاجمُ هدوئي العابِر قد ارتَطَمَت في جُرف البحر، ومرةً في مَسلّاتهِ المالحة، كاد وجهي يلتصقُ دابغًا تلك الملوحةِ به لأنكَ مُتدفنٌ في حيائها ، لكن حرارة الماء الدافِئَة انعشَتني وأذبَلَتْ جفونيْ نحوَ النُعاس، انتشيتُ بتلك النغماتِ في سمفونيةٍ داخلَ سُطورِ أنفي، مع كلِ مرةٍ أحكُ بها وجهي في مِعطفي المُخملي، تتمازَجُ عطورَ الكون، تتراقصُ فراشاتُ صدري، وتخرجُ النشوةُ من رِئتاي نحوَ المزيد، واُمسي في رُبوعِها مُتجولاً.. لا سأمَ لي

في ختامي، عزيزي عطْرَ الكون، لالوحةَ مُكتملةً بلا قطراتِكَ المُتناثرةِ في رماديةِ الوجود، إنّ تَلَبُسِكَ في معطفي وصدري، وكفّيّ.. ماهو إلا جَنّةً مؤقتة، تُدغدغ أنفي في خشوعْ، ألا وجودَ دائمَ لكَ؟.. في غفوتي ويقَظَتِيْ، وفي مروري بحقُول شوارِعكَ التي لا تنتهي. "