لطالما تساؤلتُ: كيف يمكن للمسافات الشاهقة، لتلك الدروب
التي نحتتها الأيام بيني وبين من أحب، أن لا تكون مجرد فواصل عابرة؟
بالنسبة لي، هي ليست كذلك أبدًا. بل أراها خيوطًا قدرية محكمة، نُسجت من أزل الزمان، وكلما ابتعدنا جسدًا، كلما زاد تمسكي، وازداد هذا الشعور الذي يسكن أعماقي ويُشرق كالشمس في كل نبضة قلب
الحنين
إنه ليس مجرد صدى باهت لما كان، أو ضوء ذاكرة يتلاشى في غياهب النسيان.
الحنين بالنسبة لي هو شوقٌ متجذر بعنفوان في صميم روحي.
يتناغم مع إيقاع أنفاسي، ويرتقي في مدارات وعيي ككوكبٍ عظيم لا ينفك عن جاذبية مركزه الكوني.
![عندي حنين-[C]
[C]
[C]لطالما تساؤلتُ: كيف يمكن للمسافات الشاهقة، لتلك الدروب
[C] التي نحتتها الأيام بيني وبين من أحب، أن لا تك](https://image.staticox.com/?url=https%3A%2F%2Fpm1.aminoapps.vertvonline.info%2F9394%2F2f7a641ce8feb3eadc784db09c38c4188328dedar1-736-1151_hq.jpg)
تمامًا مثل الفصول الأربعة الطويلة التي نتعاقب عليها في رحلة الحياة، أنتظر بلهفةٍ لا تلين حتى يأتي ربيع الوصال الساطع.
كلما تداعى طيف ذكرى، أو داعب أنفي عطرٌ يحمل أريج من غادرني، أو حتى لامست أذني نغمةٌ حملت أصداء الماضي البعيد، ينتفض الحنين بداخلي.
ينتفض كالملك المتوج على عرش الوجدان، رافعًا راية الولاء الأبدي المنيع.
إنه ليس اختيارًا، بل هو قدري الموشوم بالرقة الخالدة، وروحٌ تائهة في بحر الشوق تبحث عن شاطئ الأمان. فكيف لروحٍ أن تنسى موطنها الأوحد الذي لا بديل له؟
هنا تكمن المفارقة العميقة التي تسحق حواجز المنطق، واللغز الذي ما زلت أُحاول فك إماراتها: فالمسافات، بكل ما فيها من جبروت الفصل وريعان البعد الطاغي، لا تزيدني إلا انصهارًا أبديًا في بوتقة الشوق الروحاني.
لا تفرقني، بل تعمق جذور التعلق الأبية في أعماق وجداني، وتثبت أركان العهد الأزلي الذي لا يُقهر في صميم روحي.
لتصبح عروقي شرايين تجري فيها دماء الذكرى النابضة بالحياة، ولتغدو أنفاسي آهات شوق لا تنتهي، بل تتصاعد.
كل شبرٍ من بُعد، وكل بريق زمني يفصلنا، هو خيطٌ آخر يضاف إلى النسيج الغامض لمصيرنا المشترك، ليغدو أقوى وأمتن وأشد رسوخًا.
![عندي حنين-[C]
[C]
[C]لطالما تساؤلتُ: كيف يمكن للمسافات الشاهقة، لتلك الدروب
[C] التي نحتتها الأيام بيني وبين من أحب، أن لا تك](https://image.staticox.com/?url=https%3A%2F%2Fpm1.aminoapps.vertvonline.info%2F9394%2F03e34366c16c14eacacdfc8a46dc204495dba797r1-736-1222_hq.jpg)
ليصبح الحنين ليس مجرد شعور عابر، بل كيانًا يتنفس فيّ ببطولة، ووجودًا راسخًا لا يُمحى أبدًا.
أغفو على رجاء اللقاء الذي يلوح كالفجر المنتصر بعد ليلٍ طويل أطبق بظلامه.
أعرف بيقين مطلق أن الربيع آتٍ لا محالة. وتستيقظ عيناي لا على واقع الغياب المرير، بل على أطياف من أحب، يرسمون ابتسامات مشرقة ساحرة على محيا أيامي، ويُشعلون قناديل اليقين الساطعة في سراديب روحي الموحشة.
تضيء طريقنا نحو الغد المأمول، وتجعل من كل خطوة نحو اللقاء احتفالًا مهيبًا.
فالجسد قد يُباعد، واليد قد تُمنع من اللمس، والآذان قد لا تسمع الصوت، ولكن الروح، تلك النواة الأزلية التي لا تفنى ولا تركع، لا تخضع لسلطان البعد.
بل تظل منارةً لروابط تخترق حجب المادة السميكة وتتجاوز أبعاد الزمان والمكان المتلاشية، لتلتقي في فضاء غير مرئي: فضاء القلب والذاكرة، فضاء يُخلّد فيه الحب على مر العصور، أبد الدهر.
![عندي حنين-[C]
[C]
[C]لطالما تساؤلتُ: كيف يمكن للمسافات الشاهقة، لتلك الدروب
[C] التي نحتتها الأيام بيني وبين من أحب، أن لا تك](https://image.staticox.com/?url=https%3A%2F%2Fpm1.aminoapps.vertvonline.info%2F9394%2F5a88c4e237cf9371b6c68d4ebd541169c3785512r1-736-1192_hq.jpg)
أعيش أيامي وضميري معلقٌ بخيط رفيع من المعاني الخالدة التي لا تنتهي، بل تتجدد مع كل نبضة قلب، وتترسخ مع كل شهيق وزفير بقوة لا مثيل لها.
أستحضر ضحكات كانت أصداؤها تملأ الفضاء بهجةً ونورًا، وكلمات تجلّت كآياتٍ من نور تُنير دروبي المظلمة، ولحظات حُفرت في صميم ذاكرتي كأنها حدثت في الأمس القريب، أو كأنها جزء لا يتجزأ من وجودي الحالي، بل هي أساسه الذي لا يتزعزع.
كل نسمة هواء تحمل إليّ وجس الأثير الغائب كرسالةٍ قاطعة من القدر المحتوم، وكل إشراقة شمس تُجدّد فيّ عهد الوصل الموعود، معلنةً أن النور قادم لا محالة وأن اللقاء حتمي لا فكاك منه، وأن الصبر مفتاح الفرج الذي يفتح أبواب المستحيل.
الحنين ليس وهمًا يخدعني ويغمرني بالضعف، ولا ضعفًا يستنزف قواي ويهوي بي إلى الهاوية، بل هو قوة صامدة كالجبال الراسيات التي لا تهتز.
![عندي حنين-[C]
[C]
[C]لطالما تساؤلتُ: كيف يمكن للمسافات الشاهقة، لتلك الدروب
[C] التي نحتتها الأيام بيني وبين من أحب، أن لا تك](https://image.staticox.com/?url=https%3A%2F%2Fpm1.aminoapps.vertvonline.info%2F9394%2Ff255cb921bf31986bcab20088ee480820c3adc20r1-736-1264_hq.jpg)
يمنحني الثبات في مواجهة قسوة الغياب العاتية، والأمل في العودة التي أنتظرها بفارغ الصبر الذي لا ينفد.
إنه تلك الشعلة الأزلية التي لا تنطفئ أبدًا في عتمة البعد الحالكة، وتلك النجمة الهادية التي ترشدني في تيه الغياب اللانهائي، لتذكرني بأن القلوب المتآلفة لا يباعدها جسد، وأن الأرواح المتوحدة لا يفصلها زمن.
يبقى الحنين بوصلة روحي التي لا تخطئ أبدًا، مشيرًا دائمًا إلى من زرعوا فيّ أثرًا لا يندثر، وبصمة لا تُمحى، ونبضًا لا يتوقف، مهما امتدت المسافات أو قست مقادير الظروف الجبارة، مؤكدًا أن الروح لا تعرف الحدود، وأن الشوق باقٍ ما بقي فيّ نبض، بل سيبقى خالدًا كخلود الأفلاك، ودائمًا كدوام الوجود الأبدي، حتى يأتي ربيع اللقاء الموعود، فيزهر كل ما ذبل، وتنتعش الأرض العطشى بعد طول انتظار مرير.
![عندي حنين-[C]
[C]
[C]لطالما تساؤلتُ: كيف يمكن للمسافات الشاهقة، لتلك الدروب
[C] التي نحتتها الأيام بيني وبين من أحب، أن لا تك](https://image.staticox.com/?url=https%3A%2F%2Fpm1.aminoapps.vertvonline.info%2F9394%2Fc153c737d40ca34e92bcc20b0b763d612e6f4e44r1-736-1304_hq.jpg)
Comments (2)
جميل جدا
شكرًا